كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَتْرَ الْعُنُقِ وَالصَّدْرِ بِمَا فِيهِ، وَيُوَضِّحُهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ، مَا يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَسِ أَيْ لَا تُعْرَفُ فُلَانَةُ مِنْ فُلَانَةَ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: قَوْلُهُ: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} حَرَّمَ اللَّهُ إظْهَارَ الزِّينَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ عَلَى الْإِطْلَاقِ.
وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ اثْنَيْ عَشَرَ مَحِلًّا: الْمُسْتَثْنَى الْأَوَّلُ: الْبُعُولَةُ: وَالْبَعْلُ: هُوَ الزَّوْجُ وَالسَّيِّدُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ حِينَ ذَكَرَ أَشْرَاطَ السَّاعَةِ: «حَتَّى تَلِدَ الْأَمَةُ بَعْلَهَا» يَعْنِي سَيِّدَهَا؛ إشَارَةً إلَى كَثْرَةِ السَّرَارِي بِكَثْرَةِ الْفُتُوحَاتِ، فَيَأْتِي الْأَوْلَادُ مِنْ الْإِمَاءِ، فَتَعْتِقُ كُلُّ أُمٍّ بِوَلَدِهَا، فَكَأَنَّهُ سَيِّدُهَا الَّذِي مَنَّ عَلَيْهَا بِالْعِتْقِ؛ إذْ كَانَ الْعِتْقُ حَاصِلًا لَهَا مِنْ سَبَبِهِ، فَالزَّوْجُ وَالسَّيِّدُ مِمَّنْ يَرَى الزِّينَةَ مِنْ الْمَرْأَةِ وَأَكْثَرَ مِنْ الزِّينَةِ؛ إذْ كُلُّ مَحِلٍّ مِنْ بَدَنِهَا حَلَالٌ لَهُ لَذَّةً وَنَظَرًا؛ وَذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي جَوَازِ نَظَرِ الرَّجُلِ إلَى فَرْجِ زَوْجَتِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ لَهُ التَّلَذُّذُ فَالنَّظَرُ أَوْلَى.
وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ لِقَوْلِ عَائِشَةَ فِي ذِكْرِ حَالِهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا رَأَيْت ذَلِكَ مِنْهُ وَلَا رَأَى ذَلِكَ مِنِّي.
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْأَدَبِ؛ فَقَدْ قَالَ أَصْبَغُ مِنْ عُلَمَائِنَا: يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَلْحَسَهُ بِلِسَانِهِ.
الْمُسْتَثْنَى الثَّانِي: أَوْ آبَائِهِنَّ: وَلَا خِلَافَ أَنَّ غَيْرَ الزَّوْجِ لَا يَلْحَقُ بِالزَّوْجِ فِي اللَّذَّةِ.
وَكَذَلِكَ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَلْحَقُ غَيْرُ الزَّوْجِ بِالزَّوْجِ فِي النَّظَرِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ شُورِكَ بَيْنَهُمْ فِي لَفْظِ الْعَطْفِ الَّذِي يَقْتَضِي التَّشْرِيكَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلَكِنْ فَرَّقَتْ بَيْنَهُمْ السُّنَّةُ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا يَبْدُو لِلْأَبِ مِنْ الزِّينَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ الرَّأْسُ؛ قَالَهُ قَتَادَةُ.
الثَّانِي: أَنَّ الَّذِي تُبْدِي الْقُرْطَ وَالْقِلَادَةَ وَالسِّوَارَ، فَأَمَّا خَلْخَالُهَا وَشَعْرُهَا فَلَا؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَنَحْوُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ عَلَى رَأْسِهَا خِمَارٌ وَمِقْنَعَةٌ، فَتَكْشِفُ الْمِقْنَعَةَ لَهُ.
وَهِيَ مُتَقَارِبَةُ الْمَعْنَى؛ إذْ الزِّينَةُ الْبَاطِنَةُ يَجُوزُ لِلْأَبِ النَّظَرُ إلَيْهَا لِلضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ إلَى ذَلِكَ فِي الْخُلْطَةِ، وَلِأَجْلِ الْمَحْرَمِيَّةِ الَّتِي مَهَّدَتْ الشَّرِيعَةُ؛ إذْ لَا يَقْتَرِنُ بِهَا النَّظَرُ شَهْوَةً، لِتَعَذُّرِهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِالتَّحْرِيمِ الْمُتَعَبَّدِ بِهِ وَالْبَعْضِيَّةِ الْقَائِمَةِ مَعَهُ.
الْمُسْتَثْنَى الثَّالِثُ: أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ: قَالَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ: قُلْت لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: الرَّجُلُ يَنْظُرُ إلَى شَعْرِ خَتَنَتِهِ، فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} إلَى آخِرِ الْآيَةِ.
وَقَالَ: لَا أَرَاهَا مِنْهَا.
وَفِي الْحَدِيثِ: «إنَّ الْحَمْوَ هُوَ الْمَوْتُ» يَعْنِي لابد مِنْهُ، كَمَا لابد مِنْ الْمَوْتِ فِي أَحَدِ التَّأْوِيلَاتِ، وَلِأَنَّهَا بِنْتُهُ، فَنَزَلَتْ مِنْهُ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ.
وَالْأَخْتَانُ وَالْأَصْهَارُ وَالْأَحْمَاءُ مِمَّا كَثُرَ فِيهِمْ الْقَوْلُ؛ وَجُلُّهُ أَنَّ الْخَتَنَ الصِّهْرُ.
وَقِيلَ: مَنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ.
الْمُسْتَثْنَى الرَّابِعُ: الْأَبْنَاءُ: قَالَ إبْرَاهِيمُ: لَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ إلَى شَعْرِ أُمِّهِ وَأُخْتِهِ وَعَمَّتِهِ وَكُرِهَ لِلْبَاقِينَ، وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّ الِابْنَ وَالْأَبَ أَحَقُّ الْأَجَانِبِ مِنْ جِهَةِ الْمَحْرَمِيَّةِ بِالِاطِّلَاعِ عَلَى الزِّينَةِ الْبَاطِنَةِ.
الْمُسْتَثْنَى الْخَامِسُ: أَبْنَاءُ الْبُعُولَةِ: وَهُمْ يَنْزِلُونَ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ فِي جَوَازِ الزِّينَةِ الْبَاطِنَةِ، لِنُزُولِهِمْ مَنْزِلَةَ الْأَبْنَاءِ فِي الْمَحْرَمِيَّةِ.
الْمُسْتَثْنَى السَّادِسُ: الْإِخْوَةُ: وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ كَانَا يَدْخُلَانِ عَلَى أُخْتِهِمَا أُمِّ كُلْثُومٍ وَهِيَ تَمْتَشِطُ؛ وَذَلِكَ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي.
الْمُسْتَثْنَى السَّابِعُ: أَبْنَاءُ الْإِخْوَةِ، وَهُمْ مِنْ آبَائِهِمْ: رَوَى عُلَمَاؤُنَا أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ لَا تُغَطِّي رَأْسَهَا مِنْهُ وَلَا مِنْ عَشَرَةٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ: مِنْ حَمْزَةَ أَخِيهَا، وَلَا مِنْ جَعْفَرٍ، وَلَا عَلِيِّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَخِيهَا، وَلَا مِنْ الزُّبَيْرِ ابْنِهَا، وَلَا مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ابْنِ بِنْتِ أُخْتهَا أُمُّهُ أَرْوَى بِنْتُ كُرَيْزٍ، وَأُمُّهَا الْبَيْضَاءُ أُمُّ حَكِيمٍ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَلَا مِنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ، وَلَا مِنْ أَبِي سَبْرَةَ بْنِ أَبِي رُهْمٍ ابْنَيْ أُخْتِهَا بَرَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَلَا مِنْ طُلَيْبِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ بْنِ قُصَيٍّ، وَأُمُّهُ أَرْوَى بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَلَا مِنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَبِي أَحْمَدَ الشَّاعِرِ وَاسْمُهُ عُبَيْدُ ابْنَيْ جَحْشٍ، أُمُّهُمَا أُمَيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.
الْمُسْتَثْنَى الثَّامِنُ: بَنُو الْأَخَوَاتِ: وَلَمَّا لَحِقُوا فِي الْمَحْرَمِيَّةِ بِمَنْ تَقَدَّمَ لَحِقُوا بِهِمْ فِي جَوَازِ النَّظَرِ.
الْمُسْتَثْنَى التَّاسِعُ: قَوْلُهُ: {أَوْ نِسَائِهِنَّ}: وَفِيهِ قَوْلَان:
أحدهما: أَنَّهُ جَمِيعُ النِّسَاءِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ نِسَاءُ الْمُؤْمِنِينَ.
فَأَمَّا أَهْلُ الذِّمَّةِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْمُسْلِمَةُ مُبْدِيَةً لَهُنَّ زِينَتَهَا وَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ: أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ نِسَاءَ الْمُسْلِمِينَ يَدْخُلْنَ الْحَمَّامَاتِ مَعَهُنَّ نِسَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَامْنَعْ ذَلِكَ، وَحُلْ دُونَهُ.
ثُمَّ إنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَامَ فِي ذَلِكَ الْمَقَامَ مُمْتَثِلًا، فَقَالَ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ دَخَلَتْ الْحَمَّامَ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ وَلَا سَقَمٍ تُرِيدُ الْبَيَاضَ لِزَوْجِهَا فَسَوَّدَ اللَّهُ وَجْهَهَا يَوْمَ تَبْيَضُّ الْوُجُوهُ.
وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِجَمِيعِ النِّسَاءِ، وَإِنَّمَا جَاءَ بِالضَّمِيرِ لِلِاتِّبَاعِ، فَإِنَّهَا آيَةُ الضَّمَائِرِ؛ إذْ فِيهَا خَمْسٌ وَعِشْرُونَ ضَمِيرًا لَمْ يَرَوْا فِي الْقُرْآنِ لَهَا نَظِيرًا، فَجَاءَ هَذَا لِلِاتِّبَاعِ.
الْمُسْتَثْنَى الْعَاشِرُ: قَوْله تَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ}: حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى الْمَرْأَةِ عَبْدَهَا؛ وَكَانَتْ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ فِيمَا سَمِعْت مِنْ شَيْخِنَا فَخْرُ الْإِسْلَامِ بِمَدِينَةِ السَّلَامِ تَنَاقُضَ الْأَحْكَامِ فَإِنَّهَا تَمْلِكُهُ بِالْعُبُودِيَّةِ، فَلَوْ مَلَكَهَا بِالزَّوْجِيَّةِ لَقَالَ لَهَا: اُخْرُجِي وَأَطِيعِي زَوْجَك، وَقَالَتْ هِيَ لَهُ: اُسْكُتْ وَأَطِعْ سَيِّدَتَكَ.
وَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَقِمْ، وَقَالَ الْآخَرُ: ارْحَلْ.
وَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنْفِقْ بِالرِّقِّ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَنْفِقْ بِالزَّوْجِيَّةِ.
فَيَعُودُ الطَّالِبُ مَطْلُوبًا وَالْآخَرُ مَأْمُورًا، فَحَسَمَ اللَّهُ الْعِلَّةَ بِالْمَحْرَمِيَّةِ.
وَفِيمَا يُرْوَى فِيهَا قَوْلَان:
أحدهما: أَنَّ الْعَبْدَ كَالْأَجْنَبِيِّ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ كَذَوِي الْمَحَارِمِ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ قَالَ مَالِكٌ: أَكْرَهُ أَنْ يُسَافِرَ الرَّجُلُ بِامْرَأَةِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ، وَلِلَّهِ دَرُّهُ، إنَّهَا لَيْسَتْ كَأُمِّهِ وَابْنَتِهِ.
قَالَا: قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا كَانَ بَعْضُ الْجَارِيَةِ حُرًّا فَلَا يَجُوزُ لِمَنْ يَمْلِكُ بَقِيَّتَهَا أَنْ يَنْظُرَ إلَى شَيْءٍ مِنْهَا غَيْرَ شَعْرِهَا، كَمَا يَنْظُرُ غَيْرُهُ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى زَوْجَتِهِ وَمَعَهَا الْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا.
وَإِذَا كَانَ بَعْضُ الْغُلَامِ حُرًّا فَلَا يَرَى شَعْرَ مَنْ يَمْلِكُ بَقِيَّتَهُ، وَإِنْ كَانَ خَصِيًّا لَا تَمْلِكُهُ لَمْ يَنْظُرْ شَعْرَهَا وَصَدْرَهَا.
وَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ خُصْيَانُ الْعَبِيدِ إلَى شُعُورِ النِّسَاءِ، فَأَمَّا الْأَحْرَارَ فَلَا، وَذَلِكَ فِي الْوَغْدِ مِنْهُمْ، فَأَمَّا مَنْ لَهُ الْمَنْظَرَةُ فَلَا.
وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ لِلْوَغْدِ أَنْ يَأْكُلَ مَعَ سَيِّدَتِهِ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِذِي الْمَنْظَرَةِ.
وَقَالَ فِي الْخَصِيِّ خَادِمُ الرَّجُلِ فِي مَنْزِلِهِ، يَرَى فَخِذَهُ مُنْكَشِفَةً: إنَّهُ خَفِيفٌ.
وَقَالَ فِي جَارِيَةِ الْمَرْأَةِ: لَا يَنْبَغِي أَنْ تَرَى فَخِذَ زَوْجِهَا يَنْكَشِفُ عَنْهَا.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} فَامْرَأَتُهُ فِي هَذَا كَغَيْرِهَا.
وَنَهَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ النِّسَاءَ أَنْ يَلْبَسْنَ الْقَبَاطِيَّ، وَقَالَ: إنْ كَانَتْ لَا تَشِفُّ فَإِنَّهَا تَصِفُ.
قَالَ الْفَقِيهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: يُرِيدُ الْخُصُورَ وَالْأَرْدَافَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: سَمِعْت مَالِكًا يُحَدِّثُ أَنَّ عَائِشَةَ دَخَلَ عَلَيْهَا رَجُلٌ أَعْمَى، وَأَنَّهَا احْتَجَبَتْ مِنْهُ؛ فَقِيلَ لَهَا يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ؛ إنَّهُ أَعْمَى لَا يَنْظُرُ إلَيْك.
قَالَتْ: وَلَكِنِّي أَنْظُرُ إلَيْهِ.
قَالَ أَشْهَبُ: سُئِلَ مَالِكٌ أَتُلْقِي الْمَرْأَةُ خِمَارَهَا بَيْنَ يَدَيْ الْخَصِيِّ؟ وَهَلْ هُوَ مِنْ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، إذَا كَانَ مَمْلُوكًا لَهَا أَوْ لِغَيْرِهَا؛ فَأَمَّا الْحُرُّ فَلَا، وَإِنْ كَانَ فَحْلًا كَبِيرًا وَغْدًا، تَمْلِكُهُ لَا هَيْئَةَ لَهُ وَلَا مَنْظَرَةَ فَلْيَنْظُرْ إلَى شَعْرِهَا.
قَالَ الْفَقِيهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ الْمَمْلُوكُ إلَى مَوْلَاتِهِ.
قَالَ أَشْهَبُ: قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ بِوَاسِعٍ أَنْ تَدْخُلَ جَارِيَةُ الزَّوْجَةِ أَوْ الْوَلَدِ عَلَى الرَّجُلِ الْمِرْحَاضَ؛ قَالَ اللَّهُ: {إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ}.
وَقَالَ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ: يَنْظُرُ الْغُلَامُ الْوَغْدُ إلَى شَعْرِ سَيِّدَتِهِ وَلَا أُحِبُّهُ لِغُلَامِ الزَّوْجِ.
وَأَطْلَقَ عُلَمَاؤُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ الْقَوْلَ بِأَنَّ غُلَامَ الْمَرْأَةِ فِي ذَوِي مَحَارِمِهَا يَحِلُّ مِنْهَا مَا يَحِلُّ لِذِي الْمَحْرَمِ.
وَهُوَ صَحِيحٌ فِي الْقِيَاسِ.
وَقَوْلُ مَالِكٍ فِي الِاحْتِيَاطِ أَعْجَبُ إلَيَّ.
فَرْعٌ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ: لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ مَعَ عَبْدِهَا وَإِنْ كَانَ ذَا مَحْرَمٍ مِنْهَا؛ إذْ يَجُوزُ أَنْ يُعْتَقَ فِي السَّفَرِ فَيَحِلُّ لَهَا تَزَوُّجُهُ.
وَهَذَا عِنْدِي ضَعِيفٌ؛ فَإِنَّ عِتْقَهُ بِيَدِهَا؛ فَلَا يُتَّفَقُ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ بِمَوْضِعٍ يَتَأَتَّى فِيهِ مَا ذَكَرْنَا.
الْمُسْتَثْنَى الْحَادِيَ عَشَرَ: قَوْلُهُ: {أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ}: فِيهَا ثَمَانِيَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ الصَّغِيرُ؛ قَالَ مُجَاهِدٌ.
الثَّانِي: أَنَّهُ الْعِنِّينُ؛ قَالَهُ عِكْرِمَةُ، وَالشَّعْبِيُّ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ الْأَبْلَهُ الْمَعْتُوهُ لَا يَدْرِي النِّسَاءَ؛ قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءٌ.
الرَّابِعُ: أَنَّهُ الْمَجْبُوبُ لِفَقْدِ إرْبِهِ.
الْخَامِسُ: أَنَّهُ الْهَرَمُ، لِعَجْزِ إرْبِهِ.
السَّادِسُ: أَنَّهُ الْأَحْمَقُ الَّذِي لَا يَشْتَهِي الْمَرْأَةَ، وَلَا يَغَارُ عَلَيْهِ الرَّجُلُ.
قَالَهُ قَتَادَةُ.
السَّابِعُ: أَنَّ الَّذِي لَا يَهُمُّهُ إلَّا بَطْنُهُ قَالَهُ مُجَاهِدٌ.
الثَّامِنُ: أَنَّهُ خَادِمُ الْقَوْمِ لِلْمَعَاشِ؛ قَالَهُ الْحَسَنُ.
قَالَ الْفَقِيهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَمَّا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ الصَّغِيرُ فَلَا مَعْنَى لَهُ، لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ أَفْرَدَهُ اللَّهُ بِالذِّكْرِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: {أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ}.
وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَهُمْ عَلَى قِسْمَيْنِ؛ مِنْهُمْ مَنْ لَهُ آلَةٌ، وَمِنْهُمْ الْمَجْبُوبُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ آلَةٌ، وَاَلَّذِي لَهُ آلَةٌ عَلَى قِسْمَيْنِ: مِنْهُمْ الْعِنِّينُ الَّذِي لَا يَقُومُ لَهُ شَيْءٌ، وَمِنْهُمْ الَّذِي لَا قَلْبَ لَهُ فِي ذَلِكَ، وَلَا عَلَاقَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ.
فَأَمَّا الْمَجْبُوبُ وَالْعِنِّينُ فَلَا كَلَامَ فِيهِمَا.
وَأَمَّا مَنْ عَدَاهُمَا مِمَّنْ لَا قَلْبَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي أَلَّا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ اجْتِمَاعٌ لِضَرُورَةِ حَالِهِ؛ لَكِنَّ الشَّرِيعَةَ رَخَّصَتْ فِي ذَلِكَ لِلْحَاجَةِ الْمَاسَّةِ إلَيْهِ، وَلِقَصْدِ نَفْيِ الْحَرَجِ بِهِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ حَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا هِيتٌ الْمُخَنَّثُ، فَقَالَ لِأَخِيهَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ وَهُوَ عِنْدَهَا: يَا عَبْدَ اللَّهِ؛ إنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الطَّائِفَ غَدًا فَإِنِّي أَدُلُّكَ عَلَى بَادِنَةَ بِنْتِ غَيْلَانَ يَعْنِي زَوْجَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فَإِنَّهَا تُنِيفُ بِالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَتُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ مَعَ ثَغْرٍ كَأَنَّهُ الْأُقْحُوَانُ، وَبَيْنَ رِجْلَيْهَا كَالْإِنَاءِ الْمَكْفُوءِ، إنْ جَلَسَتْ تَبَنَّتْ، وَإِنْ قَامَتْ تَثَنَّتْ، وَإِنْ تَكَلَّمَتْ تَغَنَّتْ: بَيْنَ شُكُولِ النِّسَاءِ خِلْقَتُهَا قَصْدٌ فَلَا جَبْلَةٌ وَلَا قَضَفُ تَغْتَرِقُ الطَّرْفَ وَهْيَ لَاهِيَةٌ كَأَنَّمَا شَفَّ وَجْهَهَا نُزْفُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَأَرَى هَذَا يَعْرِفُ مَا هَاهُنَا، لَا يَدْخُلْ عَلَيْكُنَّ» فَحَجَبَهُ.
الْمُسْتَثْنَى الثَّانِيَ عَشَرَ: قَوْلُهُ: {أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ}: وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي وُجُوبِ سَتْرِ مَا سِوَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ مِنْهُ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لَا يَلْزَمُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَكْلِيفَ عَلَيْهِ؛ وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَالْآخَرُ: يَلْزَمُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَهِي، وَقَدْ تَشْتَهِي هِيَ أَيْضًا؛ فَإِنْ رَاهَقَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْبَالِغِ فِي وُجُوبِ السَّتْرِ وَلُزُومِ الْحَجَبَةِ.
وَبَقِيَ هَاهُنَا الْمُسْتَثْنَى الثَّالِثَ عَشَرَ، وَهُوَ الشَّيْخُ الَّذِي سَقَطَتْ شَهْوَتُهُ.
وَفِيهِ قَوْلَانِ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الصَّبِيِّ.
وَالصَّحِيحُ بَقَاءُ الْحُرْمَةِ.
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: قَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ: عَوْرَةُ الْمَرْأَةِ مَعَ عَبْدِهَا مِنْ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ، وَكَأَنَّهُمْ ظَنُّوهَا رَجُلًا أَوْ ظَنُّوهُ امْرَأَةً، وَاَللَّهُ تَعَالَى حَرَّمَ الْمَرْأَةَ عَلَى الْإِطْلَاقِ نَظَرًا وَلَذَّةً، ثُمَّ اسْتَثْنَى اللَّذَّةَ لِلزَّوْجِ وَمِلْكِ الْيَمِينِ، ثُمَّ اسْتَثْنَى الزِّينَةَ: ظَاهِرُ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ شَخْصًا الْعَبْدُ مِنْهُمْ، فَمَا لَنَا وَلِغَيْرِ ذَلِكَ؟ هَذَا نَظَرٌ فَاسِدٌ، وَاجْتِهَادٌ عَنْ السَّدَادِ مُتَبَاعِدٌ.
وَقَدْ أَوَّلَ بَعْضُ النَّاسِ قَوْلَهُ: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} عَلَى الْإِمَاءِ دُونَ الْعَبِيدِ، مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، فَكَيْفَ يُحْمَلُ عَلَى الْعَبِيدِ، ثُمَّ يُلْحَقُونَ بِالنِّسَاءِ؟ هَذَا بَعِيدٌ جِدًّا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: قَوْلُهُ: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ}.
قَالَ: كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَضْرِبُ بِرِجْلَيْهَا لِيُسْمَعَ قَعْقَعَةَ خَلْخَالَيْهَا؛ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَرَحًا بِحُلِيِّهِنَّ فَهُوَ مَكْرُوهٌ.
وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ تَبَرُّجًا وَتَعَرُّضًا لِلرِّجَالِ فَهُوَ حَرَامٌ.
وَكَذَلِكَ مَنْ صَرَّ بِنَعْلِهِ مِنْ الرِّجَالِ، إنْ فَعَلَ ذَلِكَ عُجْبًا حَرُمَ، فَإِنَّ الْعُجْبَ كَبِيرَةٌ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ تَبَرُّجًا لَمْ يَجُزْ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ.